ام المؤمنين السيدة سودة بنت زمعة

ام المؤمنين السيدة سودة بنت زمعة
الأيام تمضى ثقيلات الخطو مرهقات بأعباء الجهاد والليالى كوالح مسهدات مشحونة بالذكريات ومحمد صلى الله عليه وسلم فى وحدته بعد خديجة أم العيال وربة البيت ووزيره فى الإسلام والشريكة فى الجهاد يخلو إلى نفسه كلما أجهده ما يلقى من قومه ليسامر طيف التى ملأت دنياه والصحابة يرقبون آثار الحزن على نبيهم صلى الله عليه وسلم فيشفقون عليه من تلك الوحدة ويودون لو يتزوج لعل فى الزواج ما يؤنس وحشته بعد أم المؤمنين الراحلة لكن واحدآ منهم لم يجرؤ على التحدث إليه فى موضوع الزواج حتى كانت {خولة بنت حكيم السلمية}هى التى سعت إليه ذات مساء متلطفة مترفقة تقول {{يا رسول الله كأنى أراك قد دخلتك خلة لفقد خديجة}}فأجاب{{أجل كانت أم العيال وربة البيت}}فتشاغلت خولة بالنظر إلى بعيد ثم أقبلت على المصطفى فاقترحت عليه أن يتزوج وأطرق صلى الله عليه وسلم صامتا وقلبه عامر بطيف الراحلة وذكرت له خولة على الفور كأنما انتظرت هذ لسؤل وأعدت له الجواب هى سودة بنت زمعة وأذن لها صلى الله عليه وسلم فى خطبتهما فدخلت بيت زمعة فدخلت على ابنته سودة تقول ماذا أدخل الله عليك من الخير والبركة يا سودة؟فسألت سودة وهى لا تدرى مرادها وماذا يا خولة؟قالت أرسلنى رسول الله أخطبك عليه وجاهدت سودة لتملك نفسها من فرط العجب والدهشة ثم قالت فى صوت مرتجف وددت ادخلى على أبى فاذكرى له ذلك –فدخلت خولة عليه وهو شيخ كبير تخلف عن الحج فحيته بتحية الجاهلية ثم قالت إن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب أرسلنى أخطب عليه سودة فصاح الشيخ كفء كريم فماذا تقول صاحبته؟ قالت نعم وهنا أشار زمعة بن قيس إلى خولة أن تدعوإليه محمد فقامت تدعوه للزواج وبنى صلى الله عليه وسلم بسودة بمكة فكانت أول امرأة تزوجها صلى الله عليه وسلم بعد خديجة وشاع فى مكة أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد خطب سودة بنت زمعة فكاد ناس لا يصدقون سمعهم فما فى مثل سودة مأرب وتساءلوا فى ارتيارب أرملة مسنة غير ذات جمال تخلف خديجة بنت خويلد التى كانت يوم خطبها الشاب الهاشمى سيدة نساء قريش ومطمح أنظار السادة من قريش؟ وأصبحت سودة ذات يوم فإذا هى زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وداخلتها رهبة من جلال زوجها وقاست نفسها إليه صلى الله عليه وسلم ثم إلى خديجة الزوجة الأولى ثم إلى عائشة العروس الصبية المنتظرة فأحست كأن الأرض تميد بها من فطر دهشتها وعجبها ولم تخدعها نفسها قط بل أدركت بتجربة سنها أن بينها وبين قلب محمد حاجزا لا حيلة لها فيه وعرفت من اللحظة الأولى التى جمعتها بزوجها أن الرسول هو الذى تزوجها لا الرجل الذى لم تجرده النبوة من بشريته وأيقنت دون ريب أن حظها من الرسول بر ورحمة لا حب وتالف لكن ذلك لم يرعها بل كان حسبها أن رفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تلك المكانة وأن جعل منها أرملة السكران بن عمرو أما للمؤمنين وأرضاها كل الرضا أن تأخذ مكانها فى بيت رسول الله وأن تخدم بناته وكان يسعدها أن تراه صلى الله عليه وسلم يضحك من مشيتها وكانت ثقيلة الجسم وأن يأنس أحيانا إلى خفة روحها أو يستملح عبارة من عباراتها قالت له مرة {{صليت خلفك الليلة يا رسول الله فركعت بى حتى أمسكت بأنفى مخافة أن يقطر الدم }}فتبسم صلى الله عليه وسلم كانت سودة تقوم على بيت النبى حتى جاءت {عائشة بنت ابى بكر}فأفسحت لها سودة المكان الآول فى البيت وحرصت جهدها على أن تتحرى مرضاة العروس الشابة وأن تسهر على راحتها ثم وفدت على البيت أزواج أخريات فما ترددت سودة فى إيثار {عائشة}بإخلاصها ومودتها لكنه صلى الله عليه وسلم أشفق عليها من الحرمان العاطفى وكره لها قسوة الشعور بأنها ليست مثل الأخريات وحاول جهد طاقته أن يفتح لها قلبه لكن بشريته لم تطاوعه فكان أقصى ما استطاعه لسودة أن يعدل بينها وبين نسائه فيما يملك من مبيت ونفقة وبدا له آخر الأمر أن يسرحها سراحا جميلا كيما يعفيها من وضع أحس أنه يؤذيها ويجرح قلبها وإن لم تبد بادرة شكوى أو ضيق فانتظر صلى الله عليه وسلم إلى أن جاءت ليلتها فأنبأها مترفقا بعزمه على طلاقها وسمعت النبأ ذاهلة وأحست كأن الجدران تطبق على صدرها فلا تدع لها متنفسا فرفعت وجهها إليه فى ضراعة صامتة ومدت يدها مستنجدة فامسك بها رسول الله حانيا مشفقا وبوده لو استطاع أن يذهب عنها الروع الذى كاد يقضى عليها عندئذ آبت إليها سكينتها فهمست فى ضراعة أمسكنى ووالله ما بى على الأزواج من حرص ولكنى أحب أن يبعثنى الله يوم القيامة زوجا لك وطال عذابها وطالت حيرتها ورسول الله إلى جانبها ينظر إليها صامتا فى إشفاق وتأثر وفجأة لاح لها خاطر سكنت له نفسها فى هدوء أبقنى يا رسول الله وأهب ليلتى لعائشة وإنى لا أريد ما تريد النساء فتأثر رسول الله لهذا الموقف السمح الكريم يأتى سودة ليسمعها كلمة الطلاق وما أبغضها فيكون جوابها هذا الايثار النبيل تتحرى به مرضاة الزوج الكريم وانجابت ظلمة الليل فخرج صلى الله عليه وسلم إلى المسجد لصلاة الفجر وقامت سودة فى بيتها تصلى وقلبها عامر براحة الرضى ولقد عاشت فى بيت الرسول حتى لحق صلى الله عليه وسلم بربه وتوفيت هى فى أخر زمن عمر بن الخطاب رضى الله عنه على الأرجح

تسلم ايدك على المعلومات الجميلة ياريم