السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال تعالى: { وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} (الحديد:25).
تتحدث هذه الآية عن وجود الحديد في الأرض وأنه وجد فيها بعملية إنزال من السماء، وهذا يسوقنا إلى دراسة كيفية تكوين الحديد في الكون. وقد درس العلماء المتخصصون هذا الأمر فوجدوا أن 98% من الكون يتكون من الهيدروجين والهليوم وهما أخف العناصر وأن الـ 2% الباقية تشكل العناصر الأثقل وعددها مائة وخمسة عناصر، مما حمل الدارسين على استنباط حقيقة تكون المواد ـ الأثقل وزناً ذرياً ـ من المواد الأخف، وأن ذلك يتم عن طريق الاندماج النووي الذي تصحبه طاقة هائلة. ووجد الباحثون أن هناك نجوماً تصل درجة حرارتها من 300 ألف مليون درجة إلى 400 ألف مليون درجة مئوية تسمح بأن يتكون الحديد بداخلها.
فإذا وصلت كمية الحديد إلى 50% من كتلة النجم وأصبح قلب النجم كله حديداً تتوقف العملية بالكامل وعندئذ ينفجر النجم، وإذا انفجر تناثرت أشلاؤه في صفحة الكون ودخلت بقدر الله في مجال جاذبية أجرام سماوية أخرى تحتاج إلى هذا الحديد، ونرى ذلك يحدث الآن كما نرى نيازك حديدية تصل إلى الأرض مثل ما حدث في جنوب السودان حين نزل في مدينة جوبا نيزك كتلته (90 طناً). وأغلب النيزك يحترق باحتكاكه بالغلاف الغازي، ووصول (90 طناً) من الحديد الصافي يعني أن كتلة هذا النيزك كانت أكبر من ذلك بأضعاف كثيرة.
ونحن نرى النيازك الحديدية تصل إلى الأرض وتصل إلى القمر وإلى المجموعات الأخرى، مما دفع العلماء إلى تصور أن الأرض حينما انفصلت عن الشمس لم تكن سوى كومة من الرماد.
ويقول المختصون إن الأرض تشكلت قبل أربعة بلايين ونصف بليون عام وكانت النيازك والمذنبات تقصفها بشدة وعنف بحيث كانت الحرارة المنبعثة من هذا التصادم والقصف ـ فائق السرعة ـ عظيمة لدرجة تكون كافية لإذابة الكوكب بأكمله.
ثم بدأت الأرض تبرد بعد ذلك واستمرت تبرد إلى اليوم، وأخذت المواد الأكثر كثافة مثل الحديد والقادمة من تلك النيازك طريقها إلى قلب ومركز الأرض، بينما صعدت السيليكات الأخف وزناً وكذلك مركبات الأوكسجين الأخرى والماء القادم من المذنبات إلى قرب السطح. ويكون الحديد أكثر من 35% من كتلة الأرض حيث تتكون الأرض من قلب صلب من الحديد ثم يليه قلب منصهر أغلبه من الحديد، ثم أربعة أوشحة متمايزة يشكل الحديد فيها نسبة عالية ثم الغلاف الصخري للأرض وفيه نسبة جيدة من الحديد، ويوضح الشكل الآتي تركز المعادن في طبقات الأرض المختلفة.
ونلاحظ أن القلب الداخلي يتكون في معظمه من الحديد في حالته الصلبة بينما يتكون القلب الخارجي الذي يحيط به من الحديد و10% من الكبريت، وبهذا يكون الحديد عنصراً مهماً من مكونات طبقات الأرض السبع.
وقال البرفسور آرمسترونج أحد مشاهير علم الفلك في أمريكا والذي يعمل في وكالة الفضاء الأمريكية ناسا حين ُسأل كيف تكون الحديد أجاب قائلاً:
(سأحدثكم كيف تكونت كل العناصر على الأرض. لقد اكتشفناها، بل لقد أقمت عدداً من التجارب لإثبات ما أقوله لكم. إن العناصر المختلفة تجتمع فيها الجسيمات المختلفة من إلكترونات وبروتونات وغيرها، لكي تتحد هذه الجسيمات في ذرة كل عنصر تحتاج إلى طاقة، وعند حسابنا للطاقة اللازمة لتكوين ذرة الحديد وجدنا أن الطاقة اللازمة يجب أن تكون كطاقة المجموعة الشمسية أربع مرات، ولذلك يعتقد العلماء أن الحديد عنصر غريب وفد إلى الأرض ولم يتكون فيها).
وعند سؤاله متى اكتشف العلماء التجريبيون حقيقة إنزال الحديد إلى الأرض؟ قال:
(بأنها لم تعرف عند العلماء التجريبيين إلا في الربع الأخير من القرن العشرين وإنه لم يشر أحد من العلماء المتخصصين والباحثين إلى شيء من ذلك، ولم تشر كتب العلم التجريبي إلى هذه الحقيقة قبل هذا التاريخ).
إن علماء الفيزياء قد تمكنوا من أن يوجدوا عناصر أثقل من عناصر أخف. واستطاعوا أن يحسبوا الطاقة اللازمة لتكوين كل عنصر من هذه العناصر وقد وجدوا أن الطاقة اللازمة لتكوين ذرة واحدة من الحديد تحتاج إلى أربعة أضعاف الطاقة الموجودة في المجموعة الشمسية مما جعلهم يجزمون بأن الحديد لا يمكن أن يكون قد خلق في الأرض أو في المجموعة الشمسية بل لابد أن يكون قد خلق في نجم خارج المجموعة الشمسية ونزل إلى الأرض في صورة حديد.
أقوال المفسرين:
وهيا لنرى ما قاله علماء التفسير في هذه الآية:
لقد انقسم المفسرون إلى فريقين:
فمنهم من فسر اللفظ على ظاهره فقالوا:
{وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ..} بمعنى أن الله أنزل الحديد كما أنزل آدم من السماء إلى الأرض، وهو قول ابن عباس وعكرمة وإليه ذهب الطبري والقرطبي والواحدي.
ومنهم من اضطر إلى تأويل اللفظ عن ظاهره لاستبعاد إمكانية تصور نزول الحديد إلى الأرض من السماء ولِمَا يشاهدونه في أزمنتهم وبيئاتهم من استخراج الحديد من باطن الأرض فقالوا:
{وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ...} بمعنى أنشأناه وخلقناه وهو قول الحسن وإليه ذهب ابن كثير والثعالبي والشوكاني.
ونرى من أقوالهم أنهم أولوا لفظ أنزلنا إلى خلقنا وجعلنا، وفرق بين الإنزال والخلق والجعل لكنها المعارف البشرية المحدودة في تلك الأزمنة التي كانت تحمل المفسرين على صرف اللفظ عن ظاهره.
وجه الإعجاز:
لم يتمكن الإنسان من معرفة حقيقة أن الحديد نزل من السماء إلى الأرض إلا بعد أن امتلك من الوسائل العلمية ما تمكن به من معرفة ما جرى ويجري في أعماق النجوم البعيدة لتكوين مادة الحديد.
وبعد أن تمكن من تحويل بعض العناصر الخفيفة إلى عناصر ثقيلة وحساب ما يحتاج إليه ذلك من طاقة، وعجزه عن تكوين مادة الحديد من مواد أخف منه إذ يتطلب ذلك طاقة تساوى أربعة أضعاف طاقة المجموعة الشمسية. كما أن استخراج البشر للحديد من مناجمه في باطن الأرض جعلهم لا يتوقعون أن يكون الحديد قد نزل من السماء إلى الأرض وحملهم على الاعتقاد بأنه خلق مع سائر العناصر الأرضية. لذلك خلت العلوم التجريبية من أي إشارة إلى هذه الحقيقة قبل الربع الأخير من القرن العشرين. وكذلك اضطر كثير من المفسرين إلى تأويل اللفظ القرآني { وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ..} إلى معنى لا يحتمله اللفظ بما فيهم مفسرون معاصرون عاشوا في القرن العشرين. فمن أخبر محمداً ؟ بهذه الحقيقة التي لم تعرفها البشرية إلا في الربع الأخير من القرن العشرين والتي خفيت عن كل البشر حتى هذا التاريخ، من؟ إلا الذي أنزل الحديد وأنزل القرآن على عبده ليكون للعالمين نذيراً القائل: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحديد:25)(6).