إنزويت بنفسي في ركنٍ هادئ ... وحيداً كمن إبترّ وانفرد عن أهله وأصحابه
شارداً في التفكير في ملهمته ... لأختلي بعشقي لرونق الحروف وولعي بعذب
الكلام وإدماني على تلك الرنّات المنبعثة من لحن الجُمل ... تلك الجمل
التي تعيد الحيوية الى نفسي ويكون وقعها عليها كوقع انبعاث صوتِ أناس هبوا
لإنقاذ غريق تتقادفه أمواج هوجاء ... في يومٍ ممطرٍ عاصف .
إبتهج قلمي الشغوف متضامناً مع انزوائي ... فتأهب كعادته ليدون إلهامي على
أوراق بيضاء ... تأهب الزوج الدخول على عروسه العذراء ... مدركاً عن سابق
معرفة بطباعي أنني لا أحتمل النظر في أوراق خرساء ... تفرغُ من أي همسٍ
رقيقٍ فياض ... أو من أبيات شعرٍعبِقٍ رنّان تغدو وتروح فيه المعاني و
الحِكم ... فيحسُّ من يقرأها وكأنه جالس يتأمل شروق شمسٍ جميل في صباحٍ
بشير واعد ... أو غروباً زاهي الألوان في عشية معتكفٍ زاهد ...
شردت قليلا أبحث عن كلمات ترفرف في سماء خيالي... لتكون أصدق تبليغ عما كان يراوض خاطري
من أحاسيس في ليلتي الدافئة تلك ... وعيناي جاحضتان نتيجة ذلك الضوء
الخافت المنبعث من شمعتي المتلألأة التي تكاد أحياناً تنطفأ ... فإذا بي
أتمعن جسمها النحيف الذي انتصب يحترق في تفانٍ لِيُنير جنباتي... فلمحتُ
في يقظة غافلٍ دموعها وهي تنسال طول هيئتها الرشيقة في صمت رهيب ...
فانقلب إلهامي فجأة الى إحساسي بذنب في حقها وأدركت حينها مدى قسوتي معها
... حيث لم تنل ليلة قسطاً من تفكيري... ولا سمعتُ شكواها في ليالٍ و ليال
سهرت أُغازل غيرها ... أبوح بشوقي لهذه و أتودّد لتلك ... غير آبه لوجودها
وهي تحترق مضحية من أجلي لأنعم بلحظات سعادتي في كل أنانية مني...
نعم ... وهي التي كانت تنير غرفتي المتواضعة في تلك الليالِي الحالكة...
ولولاها ماعرفت جل كتاباتي ولادة ولا وجدت أحرفي طريقها الى تلك الأوراق
المتناثرة هنا وهناك حولي... وما اهتديت أن أكتب جملة من جملي التي كانت
تذهب بي بعيداً في عالمٍ فاضلٍ ينسجه خيالي ... عالم مثالي كان كل ليلة
مقمرة يزيد من صبابتي... وشوقي لِبلوغ كمال الإنسان ... فأسترجع وعيي
وأعود لحالي ... وتأتي تلك الشمعة البسيطة التي ما كنت بها يوماً
أُبالي... لتلقنني درساً في الوفاء و التفاني ... و تجعلني أُدرك لوحدي
وبدون أن تنطق بكلمة...أن جل إنسان في طبعه جحود وأناني... فتبقى هي مضحية
إلى آخر قطرة من شحمها فتختنق في صمت و هدوء ولسان حالها كأنه يقول :
ما حس بوحدته جليس إلهامه .................. وما استوفى حكيم كل قدرٍ بكلامه