الرجل الذي صنع من تاريخ الجزائر و ترك بصماته عبر التاريخ و في العالم
كله و أتلرككم مع الراحل العظيم
هواري
بومدين أو محمد بوخروبة كما هو اسمه الصريح لعب دورا كبيرا في تاريخ
الجزائر ايّام ثورتها ضدّ الاستعمار الفرنسي، وبعد الاستقلال عندما تولى
الاشراف على المؤسسة العسكرية التي تعرف في الجزائر بالمؤسسة السيدة بدون
منازع وبفضل هذا المنصب تمكنّ من الاطاحة بالرئيس أحمد بن بلة في 19
حزيران 1965.
ولد هواري بومدين في مدينة قالمة الواقعة في الشرق الجزائري وتعلم في
مدارسها ثمّ التحق بمدارس قسنطينة معقل جمعية العلماء المسلمين
الجزائريين، ومعقل دعاة العروبة والاسلام .
رفض هواري بومدين خدمة العلم الفرنسي، كانت السلطات الفرنسية تعتبر
الجزائريين فرنسيين ولذلك كانت تفرض عليهم الالتحاق بالثكنات الفرنسية لدى
بلوغهم السن الثامنة عشر، وفرّ الى تونس سنة 1949 والتحق في تلك الحقبة
بجامع الزيتونة الذي كان يقصده العديد من الطلبة الجزائريين، ومن تونس
انتقل الى القاهرة سنة 1950 حيث التحق بجامع الأزهر الشريف .
وعندما اندلعت الثورة الجزائرية في 1 تشرين الثاني 1954 التحق بجيش
التحرير الوطني وكان مسؤولا عسكريّا في منطقة الغرب الجزائري، وتولى قيادة
وهران من سنة 1957 والى سنة 1960 ثمّ تولى رئاسة الأركان من 1960 والى
تاريخ الاستقلال في 5 تموز 1962، وعيّن بعد الاستقلال وزيرا للدفاع ثم
نائبا لرئيس مجلس الوزراء سنة 1963 دون أن يتخلى عن منصبه كوزير للدفاع .
وفي 19 حزيران 1965 قام هواري بومدين بانقلاب عسكري أطاح بالرئيس أحمد بن
بلة ،وأصبح بذلك أول رئيس يصل الى السلطة في الجزائر عن طريق انقلاب عسكري
.
علي بوهزيلة ابن خال هواري بومدين عندما طلب منه الحديث عن هواري بومدين قال:
ماذا تريدون معرفته بالضبط ! هناك أمور عديدة لم تذكر عن بومدين ! بومدين
كان رجلا عظيما ، قضى عمره كاملا من أجل القضية الوطنية ، لكن بعد وفاته
دفنوا تاريخه و ألغوا اسمه ولولا المطار في الجزائر العاصمة الذي يحمل
اسمه لنسيّ الناس من يكون هواري بومدين، والفوضى التي شهدتها الجزائر تعود
الى الفراغ الذي خلفّه موت هواري بومدين .
حياة هواري بومدين كطفل وشاب أحفظها عن ظهر قلب، وكنت من أقرب أبناء
عمومته اليه و كنا نحكي كل كبيرة وصغيرة ، وكان لنا صديق ثالث هو ابن
خالته مصطفى صالح الذي استشهد أثناء ثورة التحرير. بومدين إبن فلاح بسيط
من عائلة كبيرة العدد ومتواضعة ماديا، ولد سنة 1932 وبالضبط في 23 أب في
دوّار بني عدي مقابل جبل هوارة على بعد بضعة كيلوميترات غرب مدينة قالمة،
وسجّل في سجلات الميلاد ببلدية عين أحساينية – كلوزال سابقا -.
في صغره كان والده يحبه كثيرا ويدلّله رغم ظروفه المادية الصعبة قررّ
تعليمه ولهذا دخل الكتّاب (المدرسة القرأنية) في القرية التي ولد فيها،
وكان عمره أنذاك 4 سنوات ، وعندما بلغ سن السادسة دخل مدرسة ألمابير سنة
1938 في مدينة قالمة وتحمل المدرسة اليوم اسم مدرسة محمد عبده، وكان والده
يقيم في بني عديّ ولهذا أوكل أمره الى عائلة بني اسماعيل وذلك مقابل الفحم
أو القمح أو الحطب وهي الأشياء التي كان يحتاجها سكان المدن في ذلك الوقت .
وبعد سنتين قضاهما في دار ابن اسماعيل أوكله والده من جديد لعائلة بامسعود
بدار سعيد بن خلوف في حي مقادور والذي كان حياّ لليهود في ذلك الوقت (شارع
ديابي حاليا)
وبعد ثماني سنوات من الدراسة بقالمة عاد الى قريته في بني عدي، وطيلة هذه
السنوات كان بومدين مشغول البال شارد الفكر لا يفعل ما يفعله الأطفال،
لكنّه كان دائما يبادرك بالابتسامة وخفة الروح رغم المحن التي قاساها منذ
صغره .
لقد كان بومدين يدرس في المدرسة الفرنسية وفي نفس الوقت يلازم الكتّاب من
طلوع الفجر الى الساعة السابعة والنصف صباحا، ثمّ يذهب في الساعة الثامنة
الى المدرسة الفرنسية الى غاية الساعة الرابعة وبعدها يتوجّه الى الكتّاب
مجددا.
في سنة 1948 ختم القرأن الكريم وأصبح يدرّس أبناء قريته القرأن الكريم يم
واللغة العربية، وفي سنة 1949 ترك محمد بوخروبة (هواري بومدين) أهله مجددا
وتوجه الى المدرسة الكتانية في مدينة قسنطينة الواقعة في الشرق الجزائري،
وكان نظام المدرسة داخليّا وكان الطلبة يقومون بأعباء الطبخ والتنظيف. وفي
تلك الأونة كان عمه الحاج الطيب بوخروبة قد عاد من أداء فريضة الحجّ مشيا
على الأقدام، وبعد عودته ذهب اليه محمد (هواري بومدين) ليقدمّ له التهاني،
وكان هواري يسأل عمه عن كل صغيرة وكبيرة عن سفره الى الديار المقدسة، وكان
عمه يخبره عن كل التفاصيل ودقائق الأمور وكيف كان الحجاج يتهربون من
الجمارك والشرطة في الحدود وحدثّه عن الطرق التي كان يسلكها الحجّاج، وكان
بومدين يسجّل كل صغيرة وكبيرة، وكان بومدين يخطط للسفر حيث أطلع ثلاثة من
زملائه في المدرسة الكتانية على نيته في السفر وعرض عليهم مرافقته فرفضوا
ذلك لأنهم لا يملكون جواز سفر، فأطلعهم على خريطة الهروب وقال: هذا هو
جواز السفر .
وقبل تنفيذ الخطة تمّ استدعاؤه للالتحاق بالجيش الفرنسي لكنّه كان مؤمنا
في قرارة نفسه بأنه لا يمكن الالتحاق بجيش العدو ولذلك رأى أنّ المخرج هو
في الفرار والسفر،
وعندما تمكن من اقناع رفاقه بالسفر باعوا ثيابهم للسفر برا باتجاه تونس .
ومن تونس توجه بومدين الى مصر عبر الأراضي الليبية ،وفي مصر التحق وصديقه
بن شيروف بالأزهر الشريف، وقسّم وقته بين الدراسة والنضال السياسي حيث كان
منخرطا في حزب الشعب الجزائري، كما كان يعمل ضمن مكتب المغرب العربي
الكبير سنة 1950، وهذا المكتب أسسّه زعماء جزائريون ومغاربة وتونسيون
تعاهدوا فيما بينهم على محاربة فرنسا وأن لا يضعوا السلاح حتى تحرير
الشمال الافريقي، ومن مؤسسي هذا المكتب علال الفاسي من المغرب وصالح بن
يوسف من تونس وأحمد بن بلة وأية أحمد من الجزائر وكان هذا المكتب يهيكل
طلبة المغرب العربي الذين يدرسون في الخارج .
وقد أرسل مكتب المغرب العربي هواري بومدين الى بغداد ليدرس في الكلية
الحربية وكان الأول في دفعته، وطيلة هذه الفترة كان يراسل والده الذي كان
بدوره يبعث لولده ماتيسّر من النقود وذلك عن طريق صديق بومدين عجّابي عبد
الله .
وعندما تبيّن للسلطات الفرنسية أن المدعو محمد بوخروبة (هواري بومدين) فرّ
من خدمة العلم قامت بحملة بحث عنه، وأنهكت والده بالبحث والتفتيش
والاستدعاءات وتحت وطأة الضغط اعترف والد بومدين بالأمر وأعترف أن ابنه
سافر للدراسة في مصر وحصلت السلطات الفرنسية على عنوان بومدين من أبيه
وقامت السلطات الفرنسية بارسال مذكرة بهذا الخصوص الى السفارة الفرنسية في
القاهرة، وكان الملك فاروق هو صاحب السلطة أنذاك في مصر وتقرر طرد بومدين
من مصر واعادته الى الجزائر، لكن ثورة الضباط الأحرار أنقذت هواري بومدين
وانتصارها جعل بومدين يبقى في مصر .
وعندما عاد صديق هواري بومدين عبد الله العجابي الى الجزائر ليلتحق
بالثورة الجزائرية سنة 1955 ألقيّ عليه القبض في مدينة تبسة الجزائرية
وهنا فتح ملف هواري بومدين مجددا، وأدركت السلطات الفرنسية أن محمد
بوخروبة أو هواري بومدين كما هو اسمه الحركي خطر على الأمن القومي الفرنسي
.
هذا الرصيد الذي كان لهواري بومدين خولّه أن يحتل موقعا متقدما في جيش
التحرير الوطني وتدرجّ في رتب الجيش الى أن أصبح قائدا للأركان ثمّ وزيرا
للدفاع في حكومة أحمد بن بلّة .
ومثلما أوصل هواري بومدين بن بلّة الى السلطة فقد أطاح به عند أول منعطف
،وقد بررّ بومدين انقلابه بأنّه للحفاظ على الثورة الجزائرية وخطها
السياسي والثوري .
وبعد الاطاحة بحكم الرئيس أحمد بن بلة في 19 حزيران 1965 تولى هواري
بومدين رئاسة الدولة الجزائرية بمساعدة رجل المخابرات القوي أنذاك قاصدي
مرباح الذي كان يطلق عليه بومدين لقب المستبّد المتنوّر .
وقد شرع هواري بومدين في اعادة بناء الدولة من خلال ثلاثية الثورة
الزراعية والثورة الثقافية والثورة الصناعية على غرار بعض التجارب في
المحور الاشتراكي التي كان هواري بومدين معجبا بها .
وغداة استلامه السلطة لم يقلّص هواري بومدين من حجم نفوذ حزب جبهة التحرير
الوطني الحاكم بل استمرّ هذا الحزب في التحكم في مفاصل الدولة، وكان
الأساس الذي بموجبه يعيّن الشخص في أي منصب سياسي أو عسكري هو انتماؤه الى
حزب جبهة التحرير الوطني، وبالاضافة الى سيطرة الحزب الواحد قام هواري
بومدين بتأسيس مجلس الثورة وهو عبارة عن قيادة جماعية تتخذ قرارات في
الاختيارات الكبرى للجزائر الداخلية منها والخارجية، وفي داخل هذا المجلس
أتخذت القرارات المصيرية من قبيل تأميم النفط والمحروقات واسترجاع الثروات
الطبيعية والباطنية، ومن قبيل تعميم نظام الثورة الزراعية وانتهاج
الاقتصاد الموجه واشراف الدولة على كل القطاعات الانتاجية .
لقد عمل هواري بومدين بعد استلامه الحكم على تكريس هيبة الدولة الجزائرية
داخليا وخارجيا ، وفي بداية السبعينيات توهجّت صورة الجزائر أقليميا
ودوليا وباتت تساند بقوة القضية الفلسيطينية وبقية حركات التحرر في العالم
، ولعبت الجزائر في ذلك الوقت أدوارا كبيرة من خلال منظمة الوحدة
الافريقية و منظمة دول عدم الانحياز