جاء رمضان بعد عام قد ملأناه بأعمال لا يعلمها إلا رب الأنام , و نمتنع منه عن الشراب و الطعام , و مغفرة السيئات العظام و إقالة العثرات الجسام , علنا نفوز بدار السلام ,
قال معلّى بن الفضل : " كان السلف يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان , ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم "
وقال يحيى بن كثير : " كان من دعائهم : الله سلمني إلى رمضان , وسلم لي رمضان , و تسلمه مني متقبلا ً "
أقبل رمضان , ليطهر قلوب العباد من الفساد .
أقبل رمضان , ليقول للعيون : صومي عن النظر إلى الحرام .
أقبل رمضان , ليقول للألسن : صومي عن الغيبة و النميمة .
أقبل رمضان , ليقول للآذان : صومي عن سماع الحرام .
أقبل رمضان , ليقول للبطون : صومي عن أكر الحرام .
أقبل رمضان , ليقول للأيدي : كفي عن الكسب الحرام .
أقبل رمضان , ليقول للأرجل : قفي ولا تمشي إلى الحرام .
إخواني , بلوغ رمضان نعمة كبيرة , على من بلغه و قام بحقه , بالعودة إلى الله من المعصية إلى الطاعة , و من الغفلة عنه إلى الذكر المتواصل , و من البعد عنه إلى الإنابة .
يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب
حتى عصى ربه في شهر شعبان
لقد أظلك شهر الصوم بعدهما
فلا تُصيِّره أيضا ً شهر عصيان
و اتل القرآن و سبِّح فيه مجتهدا ً
فإنه شهر تسبيح و قرآن
كم كنت تعرف ممن صام في سلف
من بين أهل ٍ و جيران و إخوان
أفناهم الموت و استبقاك بعدهمو
حيا ً فيما أقر القاصي من الداني
اللهم وفقنا لاغتنام الأوقات , و شغلها بالأعمال الصالحة , و وفقنا لسلوك سبيل عبادك الاخيار , و اغفر لنا جميع الذنوب و الأوزار , برحمتك يا أرحم الراحمين .
-][ شهر رمضان نقطة إنطلاقة ][-
شهر رمضان غرة بيضاء في جبين الشهور العربية و جوهرة تتلألأ في عنقة السنة الهجرية , شهر كله نور و شهر نزل فيه النور فالتقى النوران في الشريعة الإسلامية فشع الكون و أضاء الزمن و تعطرت الأنفاس .
كل الشهور في السنة تعد مجالا ً للهفوات بحكم الضعف البشري بيد أن شهر رمضان مزيل سريع لما علق في النفوس من أدران الغفلة في سائر الشهور و من لطف الله على عباده و رحمته بهم أن جعل في كل عام هجري مواقف مخصوصة يقف عندها المرء مجبرا ً لكي يتهيأ لمواصلة رحلة العمر الدائبة المستمرة فهي بمثابة الإشارات الضوئية التي تجبر السائقين المتهورين على الوقوف .
شهر رمضان نقطة توقف و في نفس الوقت نقطة انطلاق ...
توقف نم الماضي الرتيب خلال أحد عشر شهرا ً من أشهر السنة و انطلاق لأنه تجديد للعزم و شحذ للهمم و التزود من محطته الإيمانية بوقود جديد .
كم من غافل و كم من مقصر , و كم من متهاون , و كم جاء عليهم شهر رمضان فشعروا بسواد المعاصي و التهاون يجلل وجوههم و صفاءهم ووجدا رمضان بأنواره و إشراقاته يمثل بهوا ً تسلطت عليه الأنوار فاغتسلوا تحت أنواره و أزالوا الأدران و شحنوا القلوب بنور الإيمان .
و هكذا يدخل رمضان و يخرج و إذا بأقوام نالوا شرف الإلتزام بعد الإنحلال و الاستقامة بعد الإنحراف و أصبحوا رصيدا ً جديدا ً في حزب الله .
فمرحبا ً بك شهر الخير و مرحبا ً بإشراقاتك و نفحاتك و مرحى للصائمين .
-][ فضل شهر رمضان و فضل العمل فيه ][-
1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلهم لما حضر رمضان قال (( فجاءكم شهر مبارك افترض الله عليكم صيامه تفتح فيه أبواب الجنة و تغلق فيه أبواب الجحيم و تغل فيه الشياطين .. فيه ليلة القدر خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم )) .
رواه النسائي و أحمد .
2 - و عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال (( الصلوات الخمس و الجمعة إلى الجمعة و رمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر )) رواه مسلم
3 - و عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال (( من صام رمضان و عرف حدوده و تحفظ مما كان ينبغي أن يتحفظ منه كفر ما قبله )) رواه أحمد و البيهقي .