أدَّى صلاة العشاء بالمسجد الذي لم ينقطع عنه إلا لعذر قهري بالرغم من أنه يسكن في الدور الخامس، وقد تجاوز عمره خمسة وستين عامًا، ولا يوجد بمسكنه مصعد، وكان دومًا يستيقظ لقيام الليل قبل نزوله لصلاة الفجر، وفي تلك الليلة التي لن تنمحي من ذاكرته ومَن عايشوها.. فقد استيقظ كعادته للقاء الله في الدنيا، ولكن أراد سبحانه أن يكون لقاءً مصبوغًا بصبغة مختلفة، لم يعهدها طيلة عمره، وتمَّ كل شيء بيسر وسهولة، ولم تنقضِ سوى سويعات قليلة وقد تدثَّر بالتراب، وأوراه الثرى، وكان ولده الوحيد وبناته قد غمرتهم الدهشة، ومسح الوجوم على الوجوه فأحالها إلى وجوه باهتة لا حياةَ فيها ولا رونق، وانقضت أيام العزاء وانتبه الجميع.
فجميع الأولاد في شهادات مهمة طالما تكلَّم عنها أبوهم، وأنه يخشى على فلان وفلانة من أبنائه، وكان والدهم معهم والكل يشعر بثقل الحمل وأبوهم يحمل عنهم الكثير، وفجأةً هوى الثقل على ظهورهم، وخاصةً الابن الأكبر، وكادت القلوب المحيطة أن تتفطر لحالهم، وكان لا بد من الحوار لوضع النقاط على الحروف، فالمصاب كبير، وقد سمَّى الله سبحانه الموت مصيبة.. ﴿فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ﴾ (المائدة: من الآية 106)، والوفاة كان توقيتها في أحرج فترات السنة الدراسية؛ فترة الإعداد قبل الامتحانات النهائية، وجمعنا اللقاء.
قال الابن: سأعتذر هذا العام عن دخول الامتحانات، وكذلك ردت الأخريات، قلنا: لكم جميعًا الحق في ذلك، فالمرء بمفرده لا يستطيع حتى نفسيًّا أن يعد لأي امتحانات، ولكن ما رأيكم لو كانت الاستعانة بالله.. ما رأيكم لو عملنا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "واستعن بالله ولا تعجز".
فلو كانت حقًّا الاستعانة بالله لن يكون هناك عجز على الإطلاق، بل سيكون الفلاح والنجاح، فنحن الضعفاء وهو القوي، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ما رأيكم لو كل فرد اعتبر هذا الحديث نبراسًا له في هذه الفترة.. هل يمكن أن نعجز ومعنا الله الذي كان والدكم يلتقي به كثيرًا، ويدعوه ويحبه كثيرًا؟!!
ساد الصمت قليلاً، وتمَّت الموافقة الجماعية، ثم بدأ التخطيط الصحيح للفترة المقبلة، قلنا: نستعين بالله أولاً أن يعلمكم كما علَّم مَن سبقكم، ثم ترددون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "واستعن بالله ولا تعجز"، ثم نبحث عن مفتاح النجاح، فهل يمكن لنا أن نفتح بابًا بغير مفتاحه؟- لا يمكن- ولكن مفتاحه يفتحه بيسر وسهولة، ومفتاح النجاح معرفة مواضع الأسئلة وحل أكبر قدرٍ ممكن منها، والتدريب على معرفة الحل الصحيح وسط ركام الحلول المختلفة، ثم التدريب المتقن على حل أسئلة الامتحانات والتعرف على نظام الأسئلة، فإن ذلك يجعل رهبة الامتحانات تخرج من القلوب، وتحل محلها الطمأنينة والهدوء، وهذا عامل أساسي من عوامل النجاح.
وأن نجعل الليل سكنًا، ومن طلوع الفجر يبدأ نشاطنا ودراستنا، ويا حبذا لو كان ما صعُب علينا فهمه نتركه لسويعات الفجر بعد الاستعانة بالله سبحانه لفهمه، فالدراسة الحلوة تزيد الإقبال على حل الأسئلة، وتزيد الثقة في النفس وقبل أن نبدأ أي مادة نقرأ صفحةً واحدةً من القرآن نستمد فيها المدد من الله، ويا حبذا لو كان المصحف فيه بيان لمفردات المعاني.
ونجعل في كل يوم صلة رحم يصلنا الله بها بالتوفيق، فقد جعل سبحانه الرحم مشتق من اسمه من وصله وصله الرحمن، مكالمة لا تستغرق دقيقة بخالٍ أو عمٍ أو خالة أو عمة، ثم نسأل الله بعدها أن يصلنا كما وصلناهم؛ في فهم كذا أو دراسة تلك وسترون النتيجة.
ونحن في طريقنا لمدارسنا نكثر من الاستغفار والصلاة والسلام على رسول الله، ثم ندعو المولى بالتوفيق والنجاح، ونكثر من تناول المشروبات المهدئة مثل الليمون والينسون.
وافق الأبناء، وبدأت الخطوات العملية التطبيقية لتحقيق ما هدفنا إليه، وما خططنا له.
نسأل الله عز وجل التوفيق لهم جميعًا، ولكل مَن استعان بالله لن يحصد إلا الفلاح والنجاح، ونحن في انتظار أن نُهنئ الجميع بالنجاح المصحوب برضا المولى، وراسلونا لنطمئن.